السلام عليكم و رحمه الله و بركاته
السلام على الشيخ الحبيب

عندي شبهة للمخالفين هو ان الامام علي عليه الصلاة والسلام لايعلم حكم المذي فما الرد على هذه الشبهة؟




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

جواب المكتب:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عظم الله أجوركم بذكرى استشهاد الإمام الجواد عليه السلام، ولعنة الله على قتلته.

إن الأحاديث التي يرويها العدو في هذا المعنى مرفوضة عندنا، ولا سيما مع ما فيها من مبالغات كالقول بأن الإمام (عليه السلام) كان يغتسل من المذي حتى تشقق ظهره! (مسند أحمد ج2 ص219) وأنه كان يدخل الفتيلة في إحليله ليوقف المذي! (سنن البيهقي ج1 ص356)

ويكفي أن هذه الأحاديث تشتمل على حكم باطل عندنا هو إيجاب الوضوء على مَن أمذى، فإن الصحيح أنه ليس عليه شيء إلا إن أراد الوضوء استحبابا، خاصةً إذا كان المذي كثيرا عن شهوة.

والأحاديث المروية عندنا بعين هذا المعنى لدى العدو مردودة أيضا. قال شيخ الطائفة الطوسي (رحمه الله) في تعليقه على إحداها: «فهذا خبر ضعيف شاذ، والذي يكشف عن ذلك الخبر المتقدم الذي رواه إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه ‌السلام؛ وذكر قصة أمير المؤمنين عليه ‌السلام مع المقداد وأنه لما سأل النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك فقال: لا بأس به. وقد روى هذا الراوي بعينه أنه يجوز ترك الوضوء من المذي، فعُلِمَ بذلك أن المراد بالخبر ضرب من الاستحباب». (تهذيب الأحكام ج1 ص18)

أما الأحاديث المروية عندنا بغير عين هذا المعنى؛ والتي تقتصر على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سأل النبي (صلى الله عليه وآله) عن حكم المذي بواسطة المقداد فأجاب (صلى الله عليه وآله) بأنه «ليس بشيء»؛ فلا يرى فيها منقصة إلا مريض القلب أو مختل العقل! ذلك لأن ما حكته إن لم يكن لإفهام الغير كما كان يقع كثيرا بين المعصومين من أنبياء وأوصياء (عليهم السلام) رغم علم السائل والمسؤول منهم بالحكم؛ فإنه ما من منقصة في أن يتعلَّم الإنسان من أستاذه ومربيه الذي يعلوه، إنما المنقصة في أن يبقي الإنسان نفسه جاهلا حتى يعلِّمه مَن هو أدنى منه. وإن الأمة كلها تعلم أن الإمام (عليه السلام) كان تلميذ الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي اختص به حتى صار باب مدينة علمه، وأنه كان يفخر بأنه علّمه ألف باب من العلم يفتح له من كل باب ألف باب، وأنه كان كثير السؤال له حتى قال: «كنتُ إذا سألته صلى الله عليه وآله أجابني، وإذا سكتُّ عنه وفَنِيَتْ مسائلي ابتدأني». (الكافي الشريف ج1 ص64 ونحوه في سنن الترمذي ج5 ص637 والطبقات الكبرى ج2 ص338)

فما هي المنقصة في أن يسأل الإمام (عليه السلام) أستاذه الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) أو أن يسأل أي معصوم معصوما آخر؟! ولقد اتخذ موسى (عليه السلام) وضع التلميذ أمام الخضر (عليه السلام) مع أنه كان أعلم منه كما رُوي عن الصادق (عليه السلام) (تفسير العياشي ج2 ص330)، وما ذلك إلا ليتأكد التواضع في العلم والتعلّم.
وإذا كان المخالف يعتبر أن مجرد عدم دراية الإمام (عليه السلام) بحكم هذه المسألة منقصة قبل أن يتعلمها من أستاذه النبي (صلى الله عليه وآله)؛ فيلزمه أن يعتبر أن عدم دراية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالكتاب والإيمان أعظم منقصة قبل أن يتعلمهما من الله سبحانه وتعالى! فالكتاب والإيمان أعظم من مجرد مسألة فقهية. وهذا القرآن الحكيم يقول بصريح العبارة: «مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ». (الشورى: 53)

وعدم الدراية إن لم يكن عن تقصير فلا منقصة فيه، وعلى هذا لا يستحل المخالف لنفسه أن ينتقص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيلزمه كذلك أن لا يستحل انتقاص نفسه الإمام علي (صلوات الله وسلامه عليه)، فإن استحل ذلك عُلِمَ أنه منافق أو ابن زنا أو حملت به أمه في حيضة كما قال المصطفى (صلى الله عليه وآله).

ولو لاذ المخالف الذي يطرح هذه الشبهة بدعوى أنه لا يطرحها انتقاصا والعياذ بالله وإنما يطرحها إلزاما لنا باطراح اعتقادنا في علم الإمام بسعته ولدنيته؛ قيل له: لا إلزام لنا لأنك جاهل باعتقادنا في علم الإمام الذي تلقيناه من أئمتنا عليهم السلام، فإنهم الذين أخبرونا بأنهم يُزادون علميا ويتكاملون دوريا، وأن من طرق هذه الزيادة وهذا التكامل أن يتلقى الإمام العلم عمّن سبقه، حتى إذا تولى الإمامة واستقل بها بعد مضي سلفه كان علمه قد كمل وتم بحيث لا تكون هنالك مسألة يُسأل عنها فيقول: «لا أدري». ومع ذلك فإنه في جنبة علمه بالله سبحانه يُزاد، إذ العلم بالله أو معرفته لا تتناهى.

هذا كله لو أخذنا بظاهر تلك الأحاديث وقلنا بأن الإمام (عليه السلام) لم يكن يعلم حقا بتلك المسألة. وإلا فالأقرب أنه (عليه السلام) كان عالما - ولو بالفحوى - وإنما سأل لإفهام الغير أو لتثبيت الحكم، فلطالما كان المعصومون يسألون بعضهم بعضا عما يعلمونه، بل كانوا أحيانا يُظهرون عمليا ما يُظَنُّ معه عدم علمهم، وما ذلك إلا لتثبت هذه المسائل وتتعلمها الأمة، ولنا في القصة المشهورة لوضوء الحسنين (عليهما السلام) خير مثال.

وفقكم الله لمراضيه.

مكتب الشيخ الحبيب في لندن